تابعتُ ما أثير بشأن مبادرة الشاب الإخواني عمر حسن التي عُرفت إعلاميًّا بمبادرة شباب الإخوان، وهو ما يعد في حد ذاته كذبًا مستقلًا؛ لأن جماعة الإخوان جماعة هيكلية منظمة، والقرار فيها له مؤسساته ورجالاته، والذين ليس من بينهم ذلك الشاب الذي يُدعى عمر حسن، حتى لو كان ابن حسن مالك القيادي الإخواني الشهير -مثلما أُشيع خطأ.
وكما يقولون: «الجواب بيبان من عنوانه» فإن عنوان المبادرة المزعومة كشف أن أول القصيدة «كدب»، إذ جاء العنوان على النحو التالي: (اقتراح اتفاقية مستقلة لإطلاق سراح المعتقلين بالسجون المصرية) ليكشف كذب صاحبه حينما وصف السجناء في قضايا جنائية بالمعتقلين، مؤكدًا على هذا الوصف غير الحقيقي في خمسة مواضع من مبادرته.
ولم يقتصر الكذب في العنوان على هذا الوصف فحسب، وإنما امتد ليضفي على مبادرته المزعومة صفة الاستقلالية، وكأن هذه المبادرة خرجت دون علم قيادات الجماعة التي تبحث عن مخرج للخروج من «سَمّ الخياط» الذي أدخلوا فيه أنفسهم وأهليهم دون وعي.
حاول «عمر» التأكيد على أن المبادرة جاءت بشكل فردي وليس جماعيًّا؛ ليقطع الطريق على مَن يرفض التصالح مع جماعة الإخوان، حتى لا يؤثر ذلك سلبًا على مبادرته التي تعد أحد أهم أساليب ووسائل المناورات السياسية التي تجيدها الجماعة، بحيث تسمح لجزء من شبابها بالعمل الميداني المسلح، ولجزء آخر بطرح مبادرات التصالح مع الدولة المصرية، معلنةً أن هؤلاء الشباب لا يمثلون الجماعة.
وفي حال نجاح العمل الشبابي المسلح في إحداث تغيير يحسم المعركة السياسية لصالح الجماعة يخرج القيادات للإعلان عن أن شبابها هم من أحدثوا هذا النجاح، وكذلك إذا نجحت مبادرتهم في إقناع الدولة وأجهزتها بالمصالحة بما يصبُّ في صالح أعضاء الجماعة ستعلن قياداتهم أن هذه المبادرة خرجت من بين أضلعهم.
في المقابل تظل هذه المبادرات بمثابة «بالون اختبار» للدولة المصرية، بحيث إذا قُوبلت بالرفض بطبيعة الحال فلن تكون جماعة الإخوان الإرهابية قد خسرت شيئًا حينها؛ لأنها لم تعلن رسميًّا عن أيٍ من هذه المبادرات.
ناهيك عن المساومة الدنيئة التي طرحتها المبادرة المشوهة، والتي يمكن تلخيصها بعنوان: « العفو مقابل الدولار»، بحيث يدفع كل سجين خمسة آلاف دولار على سبيل الكفالة أو «الدية» أو «التبرع لصندوق تحيا مصر» مقابل الإفراج عنه، وكأن الدولة المصرية التي نجحت في مقاومة الانهيار على كل الأصعدة تنتظر دولارات الجماعة الإرهابية لتبيع شعبها للإخوان وأنصارهم، ساء ما يظنون.
خلت المبادرة تمامًا من أي مراجعات فكرية سياسية أو شرعية فقهية أو اعتراف بالخطأ أو الندم على الجرائم التي ارتكبوها، مثلها في ذلك مثل كل المبادرات الجوفاء التي أطلقوها في السابق، ويا ليتهم تعلموا من تجارب التاريخ وخبرات السابقين التي تؤكد أن لفظة «المبادرة» تعني أن تبادر بالتخلي عن الخطأ بعد الاعتراف به، دون مساومة أو انتظار لقبض الثمن، مثلما فعلت الجماعة الإسلامية حينما طرحت مبادرة وقف العنف من طرف واحد دون قيد أو شرط عام 1997م، لتجني ثمارها بالإفراج عن بعض عناصرها عام ٢٠٠٨م، أي بعد ١١ عامًا.
ليست هذه المبادرة هي بالونة الاختبار الأولى من نوعها، وإنما سبقها العديد من المحاولات التي باءت بالفشل، وخلاصة الكلام هو ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حوار سابق مع قناة «فرانس 24» أن أي مصالحة مع الإخوان لا يمكن أن تتم إلا بقرار من الشعب، وليس بقرار من الرئيس.
ألقى الرئيس بالكرة في ملعب الشعب الذي لا يمكن بحال من الأحوال أن يتهاون في دماء أبنائه الأبرياء من المدنيين والجيش والشرطة.. قولًا واحدًا: لا تصالح مع الإرهاب.. لا تصالح مع الإرهابيين.
----------------
*نقلًا عن الأهرام المسائي





